في الشأن الفلسطيني
كان الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال يفضل استعمال مفردته الخاصة به في معظم خطاباته وأحاديثه، وهي عبارة «المحتل من أرضنا». وهي عبارة كانت تستفز الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكثيراً ما كان يشكو من دلالات استخدام الملك حسين ويرى أنها تعكس حقيقة قناعات الملك الراحل الحقيقية بأن الضفة الغربية أرض أردنية محتلة! وبعد قبول أردني «على مضض»، وعلى عكس الأمر الواقع في الضفة الغربية آنذاك، وتحت وطأة ضغوط عربية بأن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و«الوحيد» للشعب الفلسطيني، بقيت آمال الملك الراحل ومحاولاته قوية لإقناع عرفات والقادة العرب بأن الأردن له حصة شراكة في تمثيل الفلسطينيين لأسباب موضوعية وتاريخية لا يمكن الهروب منها إلا إلى الخلف، وهذا مستحيل.
لن نعيد دروس التاريخ، الصعب والمتشابك، فقد انتزعت منظمةُ التحرير الفلسطينية وقيادتُها إقراراً عربياً بأنها الوحيدةُ التي تمثل شرعياً الشعب الفلسطيني الموزع بين أربع فئات: نازح 48، لاجئ 67، عرب إسرائيل، وفلسطينيون تحت إدارة الاحتلال («الحكم الذاتي فيما بعد»).
وبالطبع هناك الفلسطينيون الذين حظوا بالجنسية والمواطنة الأردنية وتمسكوا بها، وهؤلاء يدركون اليوم، سواء المؤمن بمواطنته الأردنية أو المنتفع بها فحسب، قيمة ذلك الخيار في حياتهم. لكننا اليوم، نقف أمام واقع يقف بنفسه أمام طريق مسدود.. فأسباب «العجز الفلسطيني» عديدة، منها ما يمكن البدء في تحليله تعمقاً في الماضي من خلال ظروف نشأة منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، أو من خلال الأمس القريب ومنهجية الإدارة التي أورثَها الزعيم الفلسطيني الراحل عرفات لورثته في السلطة كممثلين للشعب الفلسطيني، وكل تلك الأسباب كانت ذريعة مناسبة لإسرائيل كي تقول بصوت مرتفع إنها لا تجد شريكاً حقيقياً في السلام المنشود، ويصبح الفلسطينيون، النازحون في مخيمات الضفة وأهل الضفة الغربية، أيتاماً على موائد لا يمثلهم فيها أحد!
فعن أي دولتين بالضبط يمكن أن يتحدث أحدٌ اليوم؟ و
ما هي الحلول «الواقعية» والحال كذلك؟ المصالحة الفلسطينية ضرورية ومن دونها لا يمكن تحقيق التغيير الجذري والشامل، لكنها لا يمكن أن تخضع لقوى التطرف الديني، كما يتعين أن تنهي حالة الاختباء خلف شعار «المقاومة» الرامي إلى تمرير أجندات اللاعبين الإقليميين الذين أصبحوا الآن يجدون أنفسَهم أمام قواعد دولية جديدة لا تحتمل بالمطلق مفردات الماضي ولا قواعده.
المطلوب قيادة تكرس نفسها بشرعية حقيقية تنطلق من الشعب الفلسطيني نفسه..
قيادة من الداخل الفلسطيني، تستطيع بثقة أن تتحدث وتقول إنها تمثل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وتعيد رسم قواعد ذلك التمثيل بما يؤهلها لأن تكون شريكاً مقنعاً أمام العالَم والمنطقة في مواجهة اليمين الإسرائيلي.. وتستطيع أن تُسقط بخطاب واقعي ومنطقي كلَّ حكومات وحركات التعنت اليميني الديني والقومي في جميع جبهات الصراع.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا